الأمثالُ العربيةُ

الأمثالُ العربيةُ

Listen to the conversation and answer the questions
استمع إلى المحادثة وأجب عن الأسئلة

لِكلِّ أمةٍ منْ أممِ الأرضِ، تاريخٌ وحضارةٌ عريقةٌ اختزلتْها في كلماتٍ وقصصٍ خالدةٍ، ولعلَّ أبرزَ ما يحفظُ الأممَ منْ طوفانِ النسيانِ وجورِ الزمانِ هوَ ما تصوغُهُ منْ أمثالٍ وحِكَمٍ بليغةٍ تتناقلُها الأجيالُ جيلًا بعدَ جيلٍ.

وقد كان العربُ، أهلَ البيانِ والفصاحةِ العاليةِ والفطرةِ السليمةِ الَّتِي لَمْ تُلَوِّثْهَا تعقيداتُ الحياةِ، فأخذوا يصوغونَ دروسَ الحياةِ القاسيةِ وتجاربَها العميقةَ في أمثالٍ قصيرةٍ جدًّا، لكنها كالسيفِ في قَطْعِ المعنى ودِلالَتِهِ الواضحةِ، وكالماءِ الزُلالِ في سهولةِ جريانِها على الألسنِ وسرعةِ فهمِها.

فلمْ تكنِ الأمثالُ العربيةُ مجردَ عباراتٍ جميلةٍ تُقالُ في سهراتِ السمرِ أو تُدَوَّنُ في الكتبِ وحسبُ، بلْ كانتْ تُستخدمُ في صميمِ الحياةِ اليوميةِ وعندَ الحاجةِ الماسّة؛ فكانَ الأبُ إذا أرادَ أنْ يوصيَ ابنَهُ بِدَرْسٍ بليغٍ لا يُنسى، أو تَعِظُ الأمُّ ولدَها بِحكمةٍ موجزةٍ ترسخُ في الذهنِ، اسْتَشْهَدوا جميعًا بالأمثالِ لِمَا لها منْ قوةٍ وبلاغةٍ وتأثيرٍ عميقٍ في إيصالِ الفكرةِ وإقناعِ السامعِ بِحجتِها.

ومنْ أشهرِ هذهِ الأمثالِ وأكثرِها تداولاً حتى اليومِ: قولُ العربِ قديما: "يَدَاكَ أَوْكَتَا وفُوكَ نَفَخ"، ويُقَال هذا المثل

حينَ يريدونَ تأنيبَ وتوبيخَ مَنْ تَسبّبَ في جلبِ المشكلةِ أو المصيبةِ لنفسِهِ بِيَدِهِ وبِسوءِ تدبيرِهِ أو تسرّعِهِ في القولِ أو الفعلِ.

ويقولونَ أيضاً عنْ الشخصِ الذي عادَ خائبًا وفارغَ اليدينِ بعدَ أنْ كانَ يرجو تحقيقَ أمرٍ كبيرٍ أو الحصولَ على غنيمةٍ ثمينةٍ بعدَ عناءٍ طويلٍ وأملٍ عريضٍ: "رجعَ بِخُفَّيّ حُنَين". وقد نقولُ أيضاً في موقفٍ آخرَ لِوصفِ الحالِ عندَ غيابِ الرقيبِ أو المسؤولِ حيثُ تسودُ الفوضى وعدمُ الالتزامِ بالقوانينِ والأنظمةِ: "إنْ غابَ القِط اِلعَبْ يا فأر".

هذهِ الأمثالُ وغيرها تُشكّلُ قاموسًا للحياةِ اليوميةِ. وقد تناقل الرواة والأجيال المتعاقبة هذهِ الأمثالُ والحِكَمُ شفهيًا في المجالسِ وعندَ مواقدِ النارِ، وكتابيًا في الكتبِ عبرَ السنينَ الطويلةَ، حتى صارتْ زادَ المسافرِ في دروبِ الحياةِ الوعرةِ والمجهولةِ، وسلوى العاقلِ الذي يجدُ فيها مواساةً لِحالِهِ وتفسيرًا شافيًا لِما يدورُ حولَهُ منْ أحداثٍ وتقلبات، وحيلةَ الحكيمِ والبليغِ الفَطِن حينَ لا يسعفُهُ البيانُ الطويلُ أو تفصيلاتُ الكلامِ المُعقّدةِ لإيصالِ مرادِهِ بِوضوحٍ وبلاغةٍ.

إنَّ هذهِ الأمثالَ العربيةَ البليغةَ لَمْ تُولَدْ منْ فراغٍ، بل هيَ عُصَارَة تجاربِ الشعوبِ الممتدةِ عبرَ الزمنِ، وخلاصةُ صراعِ الإنسانِ المستمرِّ معَ ظروفِ الحياةِ المتقلبةِ التي لا تَثْبُت على حال.

إن الأمثالَ العربيةَ إرثٌ لغويٌّ وثقافيٌّ ثمين، يختزنُ خُلاصةَ تجاربَ ومعارفَ الأجيالِ الماضيةِ ويقدّمُها لنا بأسلوبٍ موجزٍ وبليغٍ يَسهُلُ فهمُهُ وحفظُه. فلنحرصْ جميعًا على حفظِها، وفهمِ معانيها العميقة، ونقلِها بأمانةٍ إلى الأجيالِ القادمة.