Listen to the conversation and answer the questions
استمع إلى المحادثة وأجب عن الأسئلة
يُعدُّ الكرمُ منْ أبرزِ الصفاتِ وأعمقِ القيمِ التي تميّزُ الثقافةَ العربيةَ عبرَ العصورِ. ولمْ يكنِ الكرمُ مجردَ عادةٍ عابرةٍ أو سلوكٍ طارئٍ، بلْ هوَ ركيزةٌ أساسيةٌ وسِمَةٌ من سِمَاتِ الهُويةِ العربية، وقدْ تغنّى بهِ الشعراءُ في قصائدِهم، ومَدَحَ بهِ الناسُ كِبارَهم وساداتَهم، وتناقلتِ الأجيالُ قَصَصَ أمجادِهِ.
وتظهرُ مظاهرُ الكرمِ العربيِّ في أشكالٍ متنوعةٍ وصورٍ متعددةٍ، أبرزُها وأكثرُها شهرةً هيَ حفاوةُ استقبالِ الضيفِ وإكرامُهُ غايةَ الإكرامِ، بتقديمِ أطيبِ الطعامِ والشرابِ لهُ، والترحابُ بهِ، حتى لو كانَ صاحبُ البيتِ لا يملك ما يكفيه. كما أن إكرام الضيفِ يُعدُّ واجبًا مقدّسًا وشرفًا عظيمًا لا يوازيهِ شرف، وهوَ ما يُعلي منْ شأنِ المضيفِ ويُكسبُهُ احترامَ مجتمعِهِ وتقديرَهُ.
وللكرمِ جذورٌ تاريخيةٌ عميقةٌ تعودُ إلى عصورِ ما قبلَ الإسلامِ؛ حيثُ كانَ التنافسُ على الكرمِ وتقديمِ الضيافةِ بينَ القبائلِ والأفرادِ وسيلةً رئيسةً لاكتسابِ الشهرةِ والمكانةِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ العاليةِ في المجتمعِ القبليِّ. وقدْ جاءَ الإسلامُ ليؤكّدَ على هذهِ القيمةِ النبيلةِ ويعزّزَها في نفوسِ المسلمِينَ ويجعلَها منْ مكارمِ الأخلاقِ التي يُثابُ عليها.
هناك الكثيرُ منَ القَصَصِ والأشعارِ عنْ كرمِ العربِ، مثلَ قصةِ حاتمِ الطائيِّ الذي أصبحَ مَضْرَبَ المثل في الجودِ والعطاءِ، وما زالتْ تُروى وتُحكى حتى اليوم.
وعلى الرَغمِ منَ التغيّراتِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والحضاريةِ الكبرى التي شهِدتْها المجتمعاتُ العربيةُ في العصرِ الحديثِ، لا تزالُ عادةُ الكرمِ وقيمةُ الضيافةِ راسخةً وقويةً في كثيرٍ منَ البلدانِ والمجتمعاتِ العربيةِ. وقدْ تأخذُ هذهِ العادةُ أشكالًا مختلفةً تتناسبُ معَ أنماطِ الحياةِ المعاصرةِ ومتطلباتِها، لكنَّ الروحَ والمبدأَ الأساسيَّ يظلانِ كما هما: العطاءُ بسخاءٍ، والترحيب بالآخرينَ، وتقديمُ العونِ لمنْ يحتاجُهُ كجزءٍ لا يتجزأُ منَ الشخصيةِ العربيةِ الأصيلةِ والهُويةِ الثقافيةِ.
إنَّ الكرمَ تعبيرٌ صادقٌ وعميقٌ عنْ قيمِ التكافلِ والمحبةِ والإيثارِ التي تُشكّلُ أساسَ العلاقاتِ الإنسانيةِ القويةِ والمتينةِ في الثقافةِ العربيةِ. وهوَ جسرٌ للتواصلِ وبناءِ الثقةِ بينَ الأفرادِ والمجتمعاتِ، ويعكسُ صورةً مشرقةً وإيجابيةً عنْ أصالةِ العربِ ونبلِ أخلاقِهم وطيبِ قلوبِهم في مُختَلَفِ المواقفِ والظروف..