الكتاب الورقي والإلكتروني

الكتاب الورقي والإلكتروني

Listen to the conversation and answer the questions
استمع إلى المحادثة وأجب عن الأسئلة

منذُ بُزوغِ فجرِ الحضاراتِ وتدوينِ المعرفةِ، كانَ الكتابُ رفيقَ الإنسانِ ووعاءَ علومِهِ وآدابِهِ. حملَهُ بينَ يديهِ، وأطلقَ لِلقلمِ العنانَ لِيَخُطَّ الكلماتِ على الرِقاعِ والجلودِ، وِتُصبحَ الكتبُ بمرورِ الزمنِ كنوزًا تملأُ بيتَ كلِّ عَالِمٍ وأديبٍ وتفيضُ على الدنيا نورًا وهدايةً.

وظلّتِ الكتبُ الورقيةُ لِقرونٍ طويلةٍ الملاذَ الأمينَ لِلباحثينَ عنِ المعرفةِ، والرفيقَ الدائمَ لِلساهرينَ في طلبِ العلمِ على ضوءِ القناديلِ في الليالي الطويلةِ.

وأتى عصرُ التقنيةِ الرقميةِ بثورةٍ غيرتْ وجهَ العَالمِ، وجلبَ معهُ أمواجًا متلاطمةً منَ الشاشاتِ المتوهجةِ التي دخلتْ كلَّ بيتٍ وجيب. ومعَ هذا التغييرِ، انقسمَ عشاقُ القراءةِ إلى فريقينِ رئيسينِ: فريقٌ لا يزالُ يرى أنَّ المتعةَ الحقيقيةَ للقراءةِ لا تتحققُ إلا بينَ دُفَتَيّ كتابٍ ورَقِيٍّ تقليديٍّ بِحَوافِهِ التي قد اصْفَرّتْ معَ الزمنِ، وآخَرُ وجدَ في الألواحِ الذكيةِ والهواتفِ بحارًا لا نهايةَ لها منَ العناوينِ التي باتَ بالإمكانِ الوصولُ إليها بضغطةِ زرٍّ واحدةٍ.

ويتمسّكُ مُحِبُّو الورقِ بِقناعتِهم بأنَّ رائحةَ الكتبِ القديمةِ وعبقَ الحبرِ لهما سحرٌ فريدٌ لا يمكنُ لِأيِّ تَقنيةٍ أنْ تُعوضَهُ، ويرونَ في صوتِ نقرِ الصفحاتِ بأطرافِ الأصابعِ أثناءَ التقليبِ موسيقى خاصّةً تَبعثُ الحياةَ في النصِّ، لا تستطيعُ أضواءُ الشاشاتِ مهما بلغتْ دقتُها أنْ تَحُلَّ مَحَلَّها أبداً.

على الجانبِ الآخرِ، يرى أنصارُ القراءةِ الرقميةِ أنَّ القدرةَ على التنقلِ بسلاسةٍ بينَ آلافِ العناوينِ المختلفةِ، وحَملِ مكتباتٍ بأكملِها تضمُّ ملايينَ الكتبِ في جهازٍ إلكترونيٍّ صغيرٍ لا يتجاوزُ حجمُهُ الكفّ، هيَ في حدِّ ذاتِها نعمةٌ تكنولوجيةٌ عظيمةٌ لا تُقدَّرُ بثمنٍ، وقدْ يسّرتِ الوصولَ إلى المعرفةِ لِكثير من الناس.

وقد يجتمعُ العلماءُ والمفكرونَ، ويتحاورُ ويتجادلُ عشاقُ القراءةِ منْ مُخْتَلَفِ الثقافاتِ والخلفياتِ، لكنْ منَ الصعبِ بمكانٍ أنْ يُحسَمَ هذا الخلافُ بشكلٍ نهائيٍّ في المستقبلِ القريبِ، أو أنْ تنقطعَ الحجةُ لدى أيٍّ منَ الطرفينِ المتنافسينِ.

فالكتابُ الورقيُّ يحملُ بينَ طياتِهِ ذكرياتِ الجلساتِ الطويلةِ الهادئةِ في المكتباتِ وأماكنِ القراءةِ المُرِيحةِ، بينما تُسَابقُ الشاشةُ الرقميةُ الزمنَ وتختصرُ المسافاتِ لِتُقدِّمَ المعرفة الفوريةَ لِمنْ يملكونَ وقتًا محدودًا أو تفرضُ عليهمْ ظروفُ حياتِهم كثرةَ التنقلِ والسفر.

وفي نهايةِ المطافِ، تبقى الكتبُ هيَ الكتب، مصدرًا للمعرفةِ والترفيهِ، سواءً اصطفتْ بأناقةٍ فوقَ رفوفِ الخزائنِ الخشبيةِ التقليديةِ، أو توهجتْ حروفُها وصورُها إلكترونيًّا على شاشاتِ الألواحِ والهواتفِ الذكيةِ الحديثةِ. والأهمُّ منْ نوعِ الوسيلةِ المُسْتَخدَمَة، يبقى القارئُ الحقيقيُّ هوَ الذي لا يحصرُ مصادرَه، بلْ يَغرُف بذكاءٍ وحكمةٍ منْ كِلَاَ  المَعِينَين.