Listen to the conversation and answer the questions
استمع إلى المحادثة وأجب عن الأسئلة
كانَ العربُ قديماً فُرْسَاناً شجعاناً، يتمتعون بفِراسة عجيبة تمكنهم من قراءة ملامحِ الأشخاصِ وتحليلِ سلوكيَّاتِهم، فقد كانت جزءاً لا يتجزَّأُ من نسيجِ حياتهم اليوميَّةِ والاجتماعيَّةِ.
فقدْ كانَ لها دورٌ حيويٌّ في تقييمِ الخصومِ والحلفاءِ في بيئةٍ صحراويَّةٍ تعتمدُ كثيراً على العلاقاتِ الشَّخصيَّةِ والولاءاتِ القبليَّةِ. وكانَ العلماءُ الحكماءُ والرَّحَّالةُ المثقَّفونَ يستخدمونَ هذهِ المهارةَ في تقييمِ النَّاسِ والحكمِ على طباعِهم ومقاصدِهم من أوَّلِ لقاءٍ، ممَّا ساعدَهم في رِحْلَاتِهم وتفاعلاتِهم مع الشُّعوبِ المختلفةِ.
كما كانَ الرُواةُ القدامى يحكونَ قصصَ الفرسانِ الماهرينَ الَّذينَ عرفوا نيات خصومِهم قبلَ أنْ يتحدَّثوا معهم بمُجرَّدِ النَّظرِ في عيونِهم أو هيئاتِهم، مِمَّا مكَّنَهم من الاستعدادِ للمواجهةِ بحكمةٍ. كما كانَ التُّجَّارُ الأذكياءُ يميِّزونَ العملاءَ الصَّادقينَ منَ الكاذبينَ، ليسَ فقطْ من خلالِ الملاحظةِ الدَّقيقةِ والنَّظرِ الثَّاقبِ، بلْ أيضاً بفهمِ الإشاراتِ غيرِ المنطوقةِ كنبرةِ الصَّوْتِ وحركةِ اليدينِ. هذهِ القدرةُ كانتْ ضروريَّةً لعقدِ الصَّفقاتِ النَّاجحةِ وتجنُّبِ المخاطرِ.
وفي زمانِنا هذا، ما زالَ المدرِّبونَ المحترفونَ في التَّنميةِ البشريَّةِ ومجالاتِ علمِ النَّفسِ السُّلوكيِّ يعملونَ على إحياءِ وتطويرِ هذهِ المهاراتِ الأصيلةِ تحتَ مسمَّياتٍ حديثةٍ. وذلكَ من خلالِ تعليمِ المتدرِّبينَ فنونَ لغةِ الجسدِ، وتحليلِ السُّلوكِ البشريِّ، وفهمِ الإشاراتِ الدَّقيقةِ التي تكشفُ عنِ المشاعرِ والنَّوايا الحقيقيَّةِ للأفرادِ، وهيَ مبادئُ تَتَّفِقُ في جوهرِها معَ الفِراسةِ العربيَّةِ القديمةِ.
إنَّ الفِراسةَ ليستْ مُجرَّدَ قصَّةٍ قديمةٍ أو موهبةٍ فطريَّةٍ، بلْ هيَ مهارةٌ علميَّةٌ وعمليَّةٌ تحتاجُ إلى تدريبٍ وخبرةٍ وملاحظةٍ مُسْتَمِرَّةٍ. وتظلُّ إحدى أبرزِ المهاراتِ التي كانَ العربُ قديماً يتفاخرونَ بها، وما زالَ الممارسونَ يُدَّرِسُونَها ويطبِّقونَها حتَّى اليومِ.