الْمَرْأَةُ السُّعُودِيَّةُ.. الْأَمِيرَةُ نُورَةُ أُنْمُوذَجًا.

الْمَرْأَةُ السُّعُودِيَّةُ.. الْأَمِيرَةُ نُورَةُ أُنْمُوذَجًا.

لَعِبَتْ الْمَرْأَةُ فِي تَارِيخِ الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ دَوْرًا فَيْصَلًا وَمُهِمًّا لِلْغَايَةِ، بَلْ كَانَتْ سَبَبًا فِي تَغْيِيرِ مَنْحَى الْأَحْدَاثِ السِّيَاسِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ، لِتَكُونَ عَامِلًا مُؤَثِّرًا فِي صِنَاعَةِ الْقَرَارِ مُنْذُ قِيَامِ الْمَمْلَكَةِ عَلَى يَدِ الْمُؤَسِّسِ الْمَغْفُورِ لَهُ الْمَلِكِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. واقْتَحَمَتْ الْمَرْأَةُ الْحَيَاةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ وَالسِّيَاسِيَّةَ وَعَمِلَتْ عَلَى إِرْسَاءِ بِيئَةٍ مَنِيعَةٍ تَقُومُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ مَتِينَةٍ أَسَاسُهَا التَّرَابُطُ الِاجْتِمَاعِيُّ وَالتَّكَافُلُ لِسَدِّ كُلِّ الثُّغُرَاتِ الَّتِي يَتَسَلَّلُ عَبْرَهَا الْأَعْدَاءُ لِزَلْزَلَةِ الْوَضْعِ وَإِضْعَافِ الْمُجْتَمَعِ وَتَفْتِيتِهِ وَمِنْ ثَمَّ ضَرْبِ وَحْدَتِهِ وَأَمْنِهِ. لو عُدْنَا لِسِيرَةِ وَمَسِيرَةِ الْمَغْفُورِ لَهَا الْأَمِيرَةِ نُورَةَ وَمَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ بِصِفَتِهَا مُسْتَشَارَةَ الْمَلِكِ لَوَجَدْنَا فِيهَا الْقُدْوَةَ وَالْأُسْوَةَ لِكُلِّ السُّعُودِيَّاتِ بَلْ وَالْعَرَبِيَّاتِ أَيْضًا، فَالْأَمِيرَةُ نَهَلَتْ الْعِلْمَ، وَكَانَتْ مُثَابِرَةً عَلَيْهِ، لِتُسَاهِمَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ فِي صَقْلِ شَخْصِيَّتِهَا. كما كَانَتْ عَلَاقَتُهَا قَوِيَّةً بِشَقِيقِهَا الْمَلِكِ عَبْدِالْعَزِيزِ آلِ سُعُودٍ مُنْذُ طُفُولَتِهَا الْمُبَكِّرَةِ، فَكَانَتْ الدَّاعِمَةَ لَهُ فِي كُلِّ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ حَتَّى قَالَتْ لِأَخِيهَا عَبْدِ الْعَزِيزِ: «لَا تَنْدُبْ حَظَّكَ، إِنْ خَابَتْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فَسَوْفَ تَظْفَرُ فِي الثَّالِثَةِ، ابْحَثْ عَنْ أَسْبَابِ فَشَلِكَ، فَالرِّجَالُ لَمْ يُخْلَقُوا لِلرَّاحَةِ»، هَذِهِ الْكَلِمَاتُ قَالَتْهَا تَشْجِيعًا لِشَقِيقِهَا مِنْ أَجْلِ اسْتِرْدَادِ الرِّيَاضِ.

وَالْمُتَابِعُ لِسِيرَةِ الْمَلِكِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَلَاقَتِهِ بِالْأَمِيرَةِ نُورَةَ يَعلم أَنَّ الْمَلِكَ كَانَ يُسْنِدُ إِلَى الْأَمِيرَةِ مَسْؤُولِيَّاتِ الْإِشْرَافِ عَلَى شُؤُونِ الْعَائِلَةِ، حَتَّى كَانَتْ هِيَ الَّتِي تُدِيرُ الْقَصْرَ، وَتَحُلُّ مُشْكِلَاتِهِ الدَّاخِلِيَّةَ. وقُوَّةُ شَخْصِيَّتِهَا أَهَّلَتْهَا لِتَسْيِيرِ أُمُورِ نِسَاءِ الْعَائِلَةِ، حَتَّى اسْتَحَقَّتْ لَقَبَ السَّيِّدَةِ الْأُولَى، وَاسْتَمْرَ عَطَاؤُهَا إِلَى وَفَاتِهَا عَامَ 1950م، وَتَكْرِيمًا لِمَكَانَتِهَا، أَطْلَقَ الْمَلِكُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ- رَحِمَهُ اللَّهُ- اِسْمَهَا عَلَى جَامِعَةِ الْبَنَاتِ بِالرِّيَاضِ تَخْلِيدًا لِذِكْرَاهَا الطَّيِّبَةِ الَّتِي تَرَكَتْ بَصْمَةً مُشْرِقَةً فِي تَارِيخِ تَأْسِيسِ الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ.

( الكاتبة: أ. فاطمة محمد الحسيني/ بتصرف)