التاجرُ الأمينُ

التاجرُ الأمينُ

كَانَ عَمْرو بْنُ سَالِمٍ مَعْرُوفًا بَيْنَ تُجَّارِ سُوقِ الْبَلْدَةِ بِأَنَّهُ لَا يَغِشُّ وَلَا يُرَاوِغُ، وَكَانَ النَّاسُ يَثِقُونَ بِهِ كَمَا يَثِقُ الطِّفْلُ بِوَالِدَتِهِ. وذَاتَ يَوْمٍ، جَاءَهُ رَجُلٌ غَرِيبٌ مِنْ مَدِينَةٍ بَعِيدَةٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ قُمَاشًا فَخْمًا لِزِفَافِ ابْنَتِهِ. واخْتَارَ الرَّجُلُ قِطْعَةً جَمِيلَةً، وَبَدَأَ يُعِدُّ النُّقُودَ، لَكِنَّ عَمْرو أَوْقَفَهُ بِلُطْفٍ وَقَالَ: يَا أَخِي، فِي هَذَا الْقُمَاشِ خَيْطٌ خَفِيٌّ قَدْ يُضْعِفُ مَتَانَتُهُ، لَا يُرَى إِلَّا فِي الشَّمْسِ. إِنْ أَحْبَبْتَ، أَعْطَيْتُكَ بَدَلَهُ. تَعَجَّبَ الرَّجُلُ وَقَالَ: وَمَنْ يُخْبِرُ عَنْ عَيْبٍ لَا يَرَى ؟! فَأَجَابَهُ عَمْرو: مَنْ بَاعَ ضَمِيرَهُ، بَاعَ تِجَارَتَهُ. انْتَشَرَ الْخَبَرُ فِي السُّوقِ كَمَا تَنْتَشِرُ النَّارُ فِي الْهَشِيمِ ، وَصَارَ دُكَّانُ عَمْرو مَقْصدًا لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ شِرَاءَ الصِّدْقِ قَبْلَ الْبِضَاعَةِ. لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، وَلَا يُكْثِرُ مِنْ الدِّعَايَةِ، بَلْ كَانَ وَجْهُهُ الصَّامِتُ يُعْلِنُ عَنْ نَفْسِهِ. وَمَعَ مُرُورِ السَّنَوَاتِ، صَارَ عَمْرٌو حَدِيثَ الْمَجَالِسِ، لَا لِبَذَخٍ أَوْ ثَرْوَةٍ، بَلْ لِأَمَانَةٍ اسْتَقَرَّتْ فِي قَلْبِهِ فَأَنْطَقَتْهَا مُعَامَلَاتُهُ. وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ سِرِّ نَجَاحِهِ، قَالَ: الْأَمَانَةُ رَأْسُ الْمَالِ، وَالْكَذِبُ خَسَارَةٌ لَا تُعَوَّضُ. هَذَا التَّاجِرُ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ الْقُمَاشَ فَحَسْبُ، بَلْ يَغْرِسُ فِي النَّاسِ حُبَّ الْحَقِّ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي.

 إِنَّ السُّلُوكَ الْأَخْلَاقِيَّ قَدْ يَفْتَحُ لِلْمَرْءِ أَبْوَابًا لَا تَفْتَحُهَا الشَّهَادَاتُ، وَلَا تُحَقِّقُهَا الْإِعْلَانَاتُ.