المذيع:
أَهْلًا بِكُمْ فِي بَرْنَامَجِنَا "حَضَارَةُ الْإِنْسَانِ". نَسْتَضِيفُ الْيَوْمَ الدُّكْتُورَ خالد العمري، أُسْتَاذَ الْآثَارِ الْقَدِيمَةِ فِي جَامِعَةِ الْمَلِكِ سَعُود. دكتور خالد، لِمَاذَا تعدُّ دِرَاسَةَ آثَارِ الْحَضَارَاتِ الْقَدِيمَةِ أَمْرًا مُهِمًّا فِي عَصْرِنَا الْحَدِيثِ؟
الدكتور خالد:
شُكْرًا عَلَى الِاسْتِضَافَةِ. آثَارُ الْحَضَارَاتِ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ حِجَارَةٍ أَوْ نُقُوشٍ. هِيَ رَسَائِلُ مِنَ الْمَاضِي تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا قَصَصَ الْإِنْسَانِ وَتَطَوُّرَ فِكْرِهِ عَبْرَ آلَافِ السِّنِينَ. ومِنْ خِلَالِ دِرَاسَةِ هَذِهِ الْآثَارِ، نَفْهَمُ كَيْفَ نَشَأَتِ الْمُجْتَمَعَاتُ، وَكَيْفَ تَأَثَّرَتْ بِثَقَافَاتٍ أُخْرَى، وَنَكْتَشِفُ إِنْجَازَاتٍ عِلْمِيَّةً وَفَنِّيَّةً مُذْهِلَةً. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، الْأَهْرَامَاتُ الْمِصْرِيَّةُ لَيْسَتْ فَقَطْ مَقَابِرَ مُلُوكٍ، بَلْ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمٍ فِي الْهِنْدَسَةِ وَالْمِعْمَارِ وَالتَّنْظِيمِ الِاجْتِمَاعِيِّ.
المذيع:
مَا تحَدِّيَاتُ الْحِفَاظَ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِعِ الْأَثَرِيَّةِ فِي الْعَالَمِ الْعَرَبِيِّ؟
الدكتور خالد:
هُنَاكَ عِدَّةُ تَحَدِّيَاتٍ. أَوَّلُهَا التَّوَسُّعُ الْعُمْرَانِيُّ غَيْرُ الْمَدْرُوسِ، إِذْ تَتَعَرَّضُ الْكَثِيرُ مِنَ الْمَوَاقِعِ لِلْخَطَرِ بِسَبَبِ مَشْرُوعَاتِ الْبِنَاءِ الْجَدِيدَةِ. كَمَا أَنَّ الْحُرُوبَ وَالنِّزَاعَاتِ الْمُسَلَّحَةِ فِي بَعْضِ الدُّوَلِ الْعَرَبِيَّةِ أَدَّتْ إِلَى دِمَارٍ أَوْ سَرِقَةِ آثَارٍ هَامَّةٍ. وَأَخِيرًا، ضَعْفُ الْوَعْيِ الْمُجْتَمَعِيِّ بِأَهَمِّيَّةِ التُّرَاثِ يَجْعَلُ بَعْضَ الْأَفْرَادِ يُشَارِكُونَ فِي التَّخْرِيبِ أَوْ تَهْرِيبِ الْقِطَعِ الْأَثَرِيَّةِ.
المذيع:
هَلْ هُنَاكَ قِصَصُ نَجَاحٍ فِي الْحِفَاظِ عَلَى التُّرَاثِ يُمْكِنُ أَنْ تُلْهِمَنَا؟
الدكتور خالد:
نَعَمْ، هُنَاكَ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ. مَدِينَةُ الْبَتْرَاءِ فِي الْأُرْدُنِّ نَمُوذَجٌ عَالَمِيٌّ فِي تَرْمِيمِ وَإِدَارَةِ الْمَوَاقِعِ الْأَثَرِيَّةِ، وَهِيَ الْيَوْمَ عَلَى قَائِمَةِ التُّرَاثِ الْعَالَمِيِّ لِلْيُونِسْكُو وَتَسْتَقْطِبُ آلَافَ الزُّوَّارِ سَنَوِيًّا. كَذَلِكَ، فِي الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ، جَرَتْ عَمَلِيَّاتٌ كَبِيرَةٌ لِحِمَايَةِ وَتَرْمِيمِ مَدَائِنِ صَالِحٍ (الْحِجْرِ)، وَأَصْبَحَتْ مِنْ أَبْرَزِ الْمَعَالِمِ السِّيَاحِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ فِي الْمِنْطَقَةِ.
المذيع:
كَيْفَ يُمْكِنُنَا تَشْجِيعُ الشَّبَابِ الْعَرَبِيِّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِالْآثَارِ؟
الدكتور خالد:
دَوْرُ التَّعْلِيمِ مُهِمٌّ جِدًّا. يَجِبُ إِدْمَاجُ مَوَاضِيعِ التُّرَاثِ فِي الْمَنَاهِجِ الدِّرَاسِيَّةِ، وَتَنْظِيمُ رِحْلَاتٍ مِيدَانِيَّةٍ لِلطُّلَّابِ إِلَى الْمُتَاحِفِ وَالْمَوَاقِعِ الْأَثَرِيَّةِ. كَمَا أَنَّ وَسَائِلَ الْإِعْلَامِ وَمَوَاقِعَ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ أَصْبَحَتْ مَنْصَّةً فَعَّالَةً لِنَشْرِ الْوَعْيِ، وَيُمْكِنُ لِلشَّبَابِ الْمُشَارَكَةُ فِي حَمَلَاتٍ تَوْعَوِيَّةٍ أَوْ مُبَادَرَاتٍ تَطَوُّعِيَّةٍ لِحِمَايَةِ التُّرَاثِ.
المذيع:
شُكْرًا جَزِيلًا لَكَ، دكتور خالد، عَلَى هَذِهِ الْإِضَاءَاتِ الْقَيِّمَةِ. أَعِزَّائِي الْمُشَاهِدِينَ، اَلتُّرَاثُ لَيْسَ مَاضِيًا بَعِيدًا، بَلْ هُوَ جُزْءٌ مِنْ هُوِيَّتِنَا وَمُسْتَقْبَلِنَا.